فصل: مسألة الحكم لو شهد رجل وغابت المرأتان فشهد على شهادتهما امرأتان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الصبي يكون له شاهد على حقه فيستحلف له الذي عليه الحق:

وسئل: عن الصبي يكون له شاهد على حقه فيستحلف له الذي عليه الحق فيكبر الغلام فيقول له: احلف مع شاهدك وخذ، فيقول: أنا أريد أن أحلف ويبرأ فقال: ليس عليه أن يحلف ثانية، قد حلف مرة.
قال القاضي: وقعت هذه المسألة في رسم البيوع من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، وزاد فيها قال أصبغ: لأنه قد برئ يوم حلف وهو بريء أبدا حتى يحلف الصبي فيكون حلفه كالشهادة الحادثة القاطعة، فعلى قول أصبغ هذا لا يجب توقيف الدين، وقد قيل: إنه إذا حلف الذي عليه الحق أخذ الدين منه فوقف حتى يكبر الصبي فيحلف ويأخذه، ومعنى ذلك إذا لم يكن مليا وخيف عليه العدم، وهو في القياس صحيح، إذ لو كان المدعي فيه شيئا بعينه لوجب توقيفه أو بيعه وتوقيف ثمنه إن خشي عليه على ما يأتي لابن القاسم في سماع محمد بن خالد، وإذا وقف الدين أو العرض فضمانه من الصبي إن حلف ومن الغريم إن نكل ولم يحلف؛ لأنه إنما وقف لمن يجب له منهما بتمام الحكم ببلوغ الصغير، فإن حلف لم يجب لأحدهما على صاحبه شيء حلف أو نكل؛ لأنه إن حلف وجب له وكانت مصيبته منه، وإن نكل عن اليمين وجب للمدعى عليه وكانت مصيبته منه، وقد قيل: إنه يحلف ثانية إذا بلغ الصبي فأبى أن يحلف، وهو بعيد، ووجهه أن يمينه أولا لما لم تكن واجبة ليسقط عنه بها الحق كانت إنما أفادت تأخير الحكم إلى بلوغ الصغير، فإذا بلغ استؤنف الحكم، واختلف إن بلغ الصغير وهو سفيه فينكل عن اليمين وحلف الذي عليه الحق وبرئ هل له إذا رشد أن يحلف؟ فقال: ليس ذلك له لأنه ما كان له أن يحلف مع شاهده بخلاف الصغير له أن يحلف مع شاهده، وهو قول ابن القاسم وأصبغ في رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ، وقيل ذلك له مثل الصغير؛ لأنه يقول: إنما نكلت لسفهي، وهو قول ابن كنانة ومطرف، ولا اختلاف في أن الذي عليه الحق إذا نكل يغرم، ولا يجب على الصغير إذا بلغ أن يحلف؛ لأن نكوله كالإقرار، وكذلك الوكيل الغائب يقيم شاهدا واحدا على حق الغائب فيقضى على الذي عليه الحق باليمين إلى أن يقدم الغائب فيحلف مع شاهده أنه إن نكل عن اليمين غرم ولم يكن على الغائب إذا قدم وليس لولي الصغير أن يحلف مع شاهده ويستحق له حقه، واختلف هل ذلك للأب أم لا؟ فالمشهور المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك أن ذلك ليس له، وقال ابن كنانة: ذلك له لأنه يمونه وينفق عليه، وهذا فيما لم يل الأب أو الوصي المعاملة؛ لأن ما ولي أحدهما فيه المعاملة فاليمين عليه واجبة؛ لأنه إن لم يحلف غرم، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وقد وقع في كتاب تجمعت فيه أقضية مالك والليث أن الصغير يحلف مع شاهده كالسفيه، وهو بعيد؛ لأن القلم عنه مرفوع فلا يحرج من الحلف على باطل، وبالله التوفيق.

.مسألة شهادة الرجل لابن امرأته:

وسئل: عن شهادة الرجل لابن امرأته فقال: لا أرى أن تجوز ولا شهادته لامرأة أبيه ولا لامرأة ابنه؛ لأنه كأنه إنما يشهد لامرأته أو لابنه أو لأبيه؛ لأنهم يجرون في ذلك لأنفسهم، وليس ذلك بمنزلة شهادة الأخ لأخيه، وشهادة الأخ لأخيه قد تجوز وتسقط، وإنما تجوز إذا كان منقطعا عنه وليس في عياله ولا يناله معروفه ولا صلته، وكانت له الحال الحسنة، وكان عدلا، فليس يتهم هذا إذا كان بهذه الصفة أن يجر إلى نفسه، وقد خرج من التهمة، وأولئك التهم فيهم بينة ولهم لازمة وإن كانوا منقطعين عمن شهدوا له؛ لأنهم يستجرون ذلك إلى من يتهمون عليه، قال سحنون: تجوز شهادة الرجل لأم امرأته ولأبيها ولولدها إلا أن تكون المرأة ممن ألزم السلطان ولدها النفقة عليها لضعف زوجها عن النفقة عليها، وتجوز شهادة الرجل لزوج ابنته ولابن زوجها ولأبيه وأمه.
قال محمد بن رشد: أما شهادة الرجل لابن زوج ابنته وأبويه فلا يخالف ابن القاسم سحنون في أن شهادته لهم جائزة؛ لأن التهمة فيهم بعيدة، وإنما يخالفه في شهادته لزوج ابنته ومن أشبهه، وقد مضى القول في معاني هذه المسألة كلها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يشهد لبعض ولده على بعض:

ومن كتاب الجواب:
وسألته: عن الرجل يشهد لبعض ولده على بعض لصغير على كبير أو لكبير على صغير، قال: إن شهد لصغير أو لكبير سفيه في حجره على كبير فلا يجوز؛ لأنه يتهم بالجر إلى نفسه لمكان الذي في حجره وولايته، وإن شهد لكبير على صغير أو لكبير على كبير جازت شهادته إذا كان عدلا إلا أن يكون المشهود له ممن يتهم على مثله لانقطاع يكون منه إليه والأثرة له والحب له على غيره والآخر ليس بتلك المنزلة عنده أو عرف منه الشنآن له والجفوة عنه دون الآخر فلا يجوز ذلك، وروى سحنون عن ابن القاسم مثله، وقال سحنون: وأنا أقول: لا تجوز شهادة الأب لابنه على حال لا لكبير على صغير ولا لصغير على كبير.
قال محمد بن رشد: أما إذا شهد لصغير أو سفيه في حجره على كبير أو لمن له إليه انقطاع على من ليس له إليه انقطاع، أو كانت بينه وبين المشهود عليه من بنيه عداوة فلا اختلاف في أن شهادته في ذلك كله غير جائزة، وإنما الاختلاف إذا شهد لكبير على كبير، أو على من في حجره من صغير أو سفيه، أو لمن في حجره من صغير على من في حجره من صغير أو سفيه، فأجاز ذلك ابن القاسم ولم يجزه سحنون، وحكى ابن عبدوس عنه أنها جائزة مثل قول ابن القاسم، وله في كتاب ابنه أنه رجع عن ذلك فقال: لا تجوز مثل قوله ههنا، ولو شهد لولده على ولد ولده لم نجز شهادته له قولا واحدا، ولو شهد لولد ولده على ولده جازت شهادته له قولا واحدا والله أعلم، ومن هذا المعنى شهادته لأحد أبويه على الآخر، وشهادته على أبيه بطلاق أمه أو غير أمه وأمه حية، وشهادته لأبيه على ولده أو لولده على أبيه، وقد مضى هذا القول على ذلك كله مستوفى في أول سماع أشهب وفي رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى هذا، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة الفار من الزحف هل تجوز شهادته:

وسألته: عن الفارّ من الزحف هل تجوز شهادته؟ وهل ترد حتى يتوب؟ أم لا تقبل أبدا؟ وهل على الناس إذا فروا من الزحف شيء إذا فر إمامهم؟ قال ابن القاسم: تقبل شهادته إذا تاب وعرفت توبته وظهرت وإلا لم تقبل شهادته إذا فر مما لا يفر من مثله، وحد الفرار من الزحف الفرار من الضعف كما قال الله عز وجل: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] إلى قوله: {مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] فلا يحل الفرار من المثلين، فإذا زادوا على ذلك وكثروا فلا بأس بالفرار إذا خافوا الضعف، ولا يحل للناس إذا فر إمامهم أن يفروا إذا كانوا مثليهم على ما فسرت لك.
وتجوز شهادة الفار من الزحف إذا تاب وعرفت التوبة منه والاجتهاد والبر واختبر بزحف ثان بعد ذلك فلم يفر منه أو لم يختبر به غزا بعد ذلك أو لم يغز إذا ظهرت توبته وعرفت، قال أصبغ عن ابن القاسم مثله..
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الفرار من الزحف إذا كان العدو ضعف المسلمين في العدة على هذه الرواية أو في الجلد والقوة على قول ابن الماجشون وروايته عن مالك من الكبائر، وقد روي ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن أتى كبيرة من الكبائر وجب ألا تجوز شهادته حتى تعرف توبته منها، ومن الناس من ذهب إلى أنه ليس من الكبائر، وأن قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16] خاص في أهل بدر؛ لأنهم لم يكن لهم أن يتركوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينهزموا عنه، فأما فيما بعد ذلك فلهم الانهزام.
قال يزيد بن حبيب: أوجب الله عز وجل لمن فر يوم بدر النار، ثم كانت أحد بعدها فأنزل الله فيها: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155] ثم كانت حنين بعدها فأنزل الله فيها: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: 25] إلى قوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 27] فنزل العفو فيمن تولى من بعد يوم بدر، والصحيح أن الفرار من الزحف ليس بمخصوص بيوم بدر وأنه عام في كل زحف إلى يوم القيامة، وكان الله تعالى به نبيه موسى عَلَيْهِ السَّلَامُ وشرعه له على ما جاء عن النبي عليه السلام في تفسير قوله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] ثم لم ينسخه بعد ذلك حتى صار من شريعتنا، ومن الدليل على أن الوعيد المذكور في الآية ليس بخاص لأهل بدر ما روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: «كنت في سرية من سرايا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحاص الناس حيصة فكنت ممن حاص، فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا: لو دخلنا المدينة فبتنا فيها وعرضنا أنفسنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال: من القوم؟ فقلنا: نحن الفرارون فقال: بل أنتم العكارون» يريد بالعكارين الكرارين؛ لأن عبد الله بن عمر إنما لحق بالمقاتلة يوم الخندق بعد أن رده النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ قبل ذلك، وهذا بعد بدر، فدل ذلك على أن حكم الفرار من الزحف بغير تحرف إلى قتال أو تحيز إلى فئة باق إلى يوم القيامة وداخل في الكبائر، والله الموفق.

.مسألة قبلت شهادته في أمر ثم شهد بعد ذلك في أمر آخر:

وسألته: عن رجل قبلت شهادته في أمر ثم شهد بعد ذلك في أمر آخر فطلب المشهود عليه أن توضع فيه العدالة هل ترى أن توضع فيه العدالة؟ قال ابن القاسم: إن كان ذلك قريبا من شهادته الأولى وتعديله فيها الأشهر وما أشبهها ولم يطل ذلك جدا فلا أرى ذلك، وإن كان قد طال رأيت أن توضع فيه وأن يسأل عنه طلب ذلك المشهود عليه أو لم يطلبه، والسنة عندي في مثل هذا طويل كثير؛ لأن في ذلك ما تتغير الحالات وتحدث الأحداث.
قال أصبغ: إلا أن يكون الرجل المعروف بالخير المشهور الذي لا يحتاج مثله إلى ابتداء السؤال فلا يسأل عنه ثانية ولا ينصب عنه.
قال محمد بن رشد: قوله: وسألته عن رجل قبلت شهادته في أمر معناه وسألته عن رجل مجهول الحال غير معروف بالعدالة فقبلت شهادته في أمر بعد أن عدل، ثم شهد بعد ذلك في أمر آخر هل يكتفي بالتعديل الأول أو يطلب فيه التعديل ثانية؟ فقال: إن كان ذلك قريبا من شهادته الأولى بالأشهر اكتفي بالتعديل الأول، وإن كان الأمر قد طال طلب فيه بالتعديل ثانية؛ لأن الأحوال قد تتغير في الطول من الزمان والسنة طول، وفي نوازل سحنون أن التعديل يطلب فيه كلما شهد قرب ذلك أو بعد حتى يكثر تعديله وتشتهر تزكيته، وقول ابن القاسم استحسان، وأما قول سحنون فإنه إغراق في الاستحسان، فإن طلب القاضي التعديل فيه ثانية بعد السنة على قول ابن القاسم أو بالقرب والبعد على قول سحنون فعجز المشهود له عن أن يعدله ثانية إذ لعله لا يعرفه غير الذين عدلوه أولا وقد ماتوا أو غابوا وجب أن تقبل شهادته ولا يردها فيبطل حقا وقد شهد به من قد زكى وثبتت عدالته؛ لأن ما فعل من طلب العدالة إنما هو استحسان غير واجب، والقياس في ذلك أن يكون محمولا على التعديل الأول ما لم يتهم بأمر أو يغمز بشيء أو يستراب في أمره لوجه يظهر منه، وهو قول مطرف وابن الماجشون في الواضحة، وأما الشاهد المعروف بالعدالة الذي قبل من غير تزكية فلا يطلب فيه تزكية إذا شهد ثانية كما لم يطلب فيه أولا، فقول أصبغ مفسر لقول ابن القاسم غير مخالف له، ومثله لمالك في كتاب ابن سحنون قال: أما الرجل المشهور عدالته فلا يكلف التعديل ثانية، وإن لم يعرفه القاضي إلا أنه صح عنده أنه عدل شهرته وبالله التوفيق.

.مسألة شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته أو فرية أو شرب الخمر في أيام مختلفة:

ومن كتاب القطعان:
قال ابن القاسم: قال مالك: إذا شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته أو فرية أو شرب الخمر في أيام مختلفة فقال هذا: أشهد أنه طلق امرأته، أو رأيته يشرب الخمر، أو قذف فلانا في شوال، وشهد آخر على مثل ذلك إلا أنه قال في رمضان، فإنه يضرب في الفرية والخمر ويطلق عليه، وكذلك رأى ابن القاسم.
قال الإمام القاضي: إذا اختلف الوقت في شهادة الشهود على القول لفقت الشهادة وجازت على المشهور من مذهب ابن القاسم حسبما ذكرناه في رسم العرية، وإذا اختلف الوقت في شهادة الشهود على الفعل لم تلفق الشهادة وبطلت عند ابن القاسم حسبما ذكرناه في آخر رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده، فإنما قال ابن القاسم في هذه الرواية إنه يحد في الشرب إذا قال أحد الشاهدين: رأيته شرب الخمر في شوال، وقال الآخر: رأيته يشربها في رمضان من أجل أن الشهادة في هذا على الفعل مسندة إلى القول إذ هو المعتبر به فيها؛ لأنه إنما يجب عليه في الشرب حد القذف؛ لأنه كما قال علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى فلم يخرج ابن القاسم في هذه المسألة عن أصله في أن الأفعال لا تلفق إذا اختلفت الأوقات، وهذا نحو قوله في الأيمان بالطلاق من المدونة إذا شهد شاهدان على رجل أنه حلف بالطلاق أن لا يدخل دار عمرو بن العاص، وشهد أحدهما أنه دخلها في رمضان، وشهد آخر أنه دخلها في ذي الحجة أنها تطلق عليه؛ لأنه لفق الفعل لما كان ما يوجبه مسندا إلى القول، قال مالك في المبسوطة: وأما شهادة أحدهما على أنه شرب في رمضان والثاني في شوال بمنزلة أن لو قال أحدهما: رأيته يشرب الخمر بقدح نضار، وقال الآخر: بل كان شربها في قدح قوارير، ومحمد بن مسلمة وابن نافع يقولان: إنه لا يحد في الشرب حتى يجتمع الشاهدان فيه على وقت واحد، وهو الأظهر على حقيقة أصل ابن القاسم في أن الأفعال لا تلفق، وبالله التوفيق.

.مسألة الحكم لو شهد رجل وغابت المرأتان فشهد على شهادتهما امرأتان:

ومن كتاب العشور:
قال ابن القاسم في امرأتين شهدتا على شهادة امرأتين ومع ذلك رجل شاهد في أصل الحق يشهد مع المرأتين الغائبتين: إنه لا يجوز ذلك إلا أن يكون مع المرأتين رجل، وإنما تجوز شهادة المرأتين بأبدانهما فلابد أن يكون مع المرأتين رجل، قال: واحتج في ذلك بشهادة الرجل أنها لا تجوز ببدنه ويحلف معه، وإنه إذا غاب بدنه لم يجز أن يشهد على شهادة رجل واحد إلا رجلان، ثم يكون ذلك كشاهد يحلف معه، وفي سماع أصبغ من كتاب القضاء المحض قال أصبغ: وأنا لا أرى ذلك ولا يعجبني أرى ما جازت فيه شهادتهن تامة بلا رجل ولا يمين مثل الاستهلال وعيوب النساء وما تحت الثياب أن تجوز شهادتهن فيه على شهادة مثلهن بلا رجل معهن كما لو شهدن هن أنفسهن.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: إن الحق إذا كان عليه شاهد وامرأتان فشهد الرجل وغابت المرأتان فشهد على شهادتهما امرأتان أن ذلك لا يجوز إلا أن يكون معهما رجل كما أن الشاهد الواحد إذا غاب لا يشهد على شهادته إلا رجلان، يريد أو رجل وامرأتان، هو معنى ما في الشهادات من المدونة، بل نصه خلاف قول ابن الماجشون وسحنون في أن شهادة النساء لا تجوز إلا فيما يجوز فيه شاهد ويمين، ولم يتكلم ابن القاسم في الشهادة على شهادة النساء فيما تجوز فيه شهادتهن دون رجل إلا أن في قول أصبغ في كتاب القضاء المحض: وأنا لا أرى ذلك ولا يعجبني وأرى أن تجوز شهادتهن فيه على شهادة مثلهن بلا رجل معهن كما لو شهدن هن أنفسهن يدل على أن الذي رواه عن ابن القاسم أنه لابد في الشهادة على شهادتهن من رجلين أو رجل وامرأتين، وأنه لا يجوز في ذلك شهادة النساء وحدهن، وهو القياس؛ لأن شهادتهن إنما جازت على الأصل وحدهن بلا رجل للضرورة إلى ذلك ولا ضرورة إلى انفرادهن في الشهادة على شهادتهن فوجب ألا يجزئ في ذلك إلا رجلان أو رجل وامرأتان، وظاهر قول أصبغ أنه يجزئ في ذلك امرأتان على امرأتين؛ لقوله كما لو شهدن هن أنفسهن، وقد قال بعض أهل النظر وأراه ابن لبابة: معنى قول أصبغ: أنه لا تقوم امرأتان بشهادة امرأتين حتى، يكن أربعة فيقمن بشهادة امرأتين على مذهب أصبغ، وهو تأويل بعيد لا وجه له في النظر، ووجه ما ذهب إليه أصبغ أن المرأتين لما أقيمتا فيما لا يحضره الرجال مقام رجلين أقام هو المرأتين في الشهادة على شهادتهما مقام رجلين، وليس ذلك بصحيح؛ لأن شهادة الرجال على شهادتهن غير ممتنع، فوجب ألا ينفردن بذلك دونهم، وبالله التوفيق.

.مسألة إقرار المريض في مرضه بدين لمن لا يتهم عليه:

ومن كتاب أوله باع شاة:
وسألته: عن رجل أقر عند موته أنه شهد على فلان هو وفلان وفلان فقطعت يده وأنا شهدنا بالزور فما لزمني فأدوه عني، قال ابن القاسم: لا أرى عليه شيئا؛ لأنه قد بقي على الشهادة اثنان، فالشهادة قائمة، ولو أقر واحد من الشهيدين الباقيين بعد إقرار هذا كان نصف دية اليد على الميت وعلى النازع منهما، ولو أقر الثالث كان على كل واحد منهم ثلث الدية، وكان الذي أقر به الميت في رأس ماله، قلت: فلو كان لم يقر أحد غيره وبقيت الشهادة قائمة كما هي حتى قسم مال الميت ثم نزع أحد الشهيدين الباقيين؟ قال: يكون ذلك بمنزلة دين طرأ على الميت يؤخذ ما ينوبه من ذلك من الذي للورثة، كذلك القتل لو أقر أنه شهد على رجل مع رجلين فقتل بشهادتهم ثم نزع عند الموت.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم في أن إقرار المريض في مرضه بدين لمن لا يتهم عليه جائز، فإذا كان هذا الذي أقر له بأنه شهد عليه بالزور فقطعت يده ممن لا يتهم على الإقرار له في مرضه وجب أن يؤخذ من رأس ماله ما يلزمه بالإقرار، وليس في قوله: وأنا شهدنا عليه بالزور دليل على أنه لو قال: إنا شبه علينا لم يلزمه شيء؛ لأن ذلك إنما هو في السؤال لا في الجواب، فلا دليل فيه، وهو سواء على مذهبه، قال: إنا شهدنا بالزور أو شبه علينا، وقد مضى هذا والاختلاف فيه في أول سماع عيسى، وقوله: لا أرى عليه شيئا؛ لأنه قد بقي على الشهادة اثنان صحيح لا اختلاف فيه، قد ذكر ذلك صاحب الاتفاق والاختلاف أن هذا مما أجمع عليه مالك وأصحابه، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: وقد قيل: إنه يلزمه ثلث دية اليد في ماله، فإن رجع آخر لزمه الثلث أيضا، فإن رجع الثالث لزمه الثلث، وأما قوله: ولو أقر واحد من الشهيدين الباقيين بعد إقرار هذا كان نصف الدية على الميت وعلى النازع منهما فإن هذا موضع يختلف فيه؛ لأن ابن وهب وأشهب يقولان: إنه يلزمهما الثلثان، وفي قوله: إنه لو نزع أحد الشهيدين الباقيين بعد أن قسم المال كان ما ينوب المقر من ذلك كدين طرأ بعد القسمة يؤخذ ما ينوبه من ذلك من الذي للورثة ما يدل على أنه لا يلزم توقيف شيء من المال لإقراره على نفسه أنه شهد بالزور مخافة أن يقر الشهيدان الباقيان أو أحدهما بمثل ما أقر به هو، إذ ليس في رجوعه هو دليل على أنه سيرجع من سواه منهما، وكذلك لو نزع الشاهد الباقي بعد ذلك لكان فضل ما بين الثلث والربع كدين طرأ أيضا عليه يؤخذ ذلك من ورثته، وذلك أنه يجب عليه برجوع أحد الشهيدين نصف الدية، وهو الربع، ويجب عليه برجوع الشاهد الثاني ثلث جميع الدية، وبالله التوفيق.

.مسألة شهادة المختفي:

وسئل: عن رجلين أدخلهما رجل في بيت وأمرهما أن يسمعا ويحفظا ما سمعا، ثم قعد برجل آخر من وراء البيت فاستنطقه حتى أقر له بماله عليه، فشهد الرجلان بذلك، هل يلزمه ما شهدا به عليه على هذه الصفة أم لا يلزمه حتى يقر على نفسه بالمال وهو ينظر إلى الرجلين اللذين يشهدان عليه؟ قال: أما الرجل الذي يشهد عليه مثل الضعيف أو المخدوع أو الخائف الذي يخاف أن يكون إنما استجهل أو استضعف أو خدع فلا أرى ذلك ثابتا عليه، ويحلف ما أقر بذلك إلا لما يذكر ولا يدري ما يقول، وأما الرجل الذي يقر على غير ما وصفت لك ولإقراره ذلك وجه من الأمر عسى أن يقول في خلوته تلك أنا أقر لك خاليا ولا أقر لك عند البينة بأمر يعرف وجه إقراره وناحية ما طلب منه فإنه عسى أن يثبت ذلك عليه، وقال عيسى بن دينار: أرى ذلك ثابتا عليه.
قال محمد بن رشد: لا إشكال في أنها لا تجوز على القول بأن شهادة السماع لا تجوز، وهي أن يشهد الشاهد على الرجل بما سمع من إقراره دون أن يشهده على نفسه، وهو أحد قول مالك في المدونة وقول ابن أبي حازم وابن الماجشون وروايته عن مالك في المدنية ومثله لمالك في كتاب ابن المواز قال: لا يشهد الرجل على الرجل بما سمع من إقراره على نفسه دون أن يشهده على ذلك إلا أن يكون قاذفا، فإنما اختلف في شهادة المختفي الذين يجيزون شهادة السماع، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أن الشاهد يشهد على الرجل بما سمع من إقراره وإن لم يشهده إذا استوعب كلامه، وهو قول أشهب وسحنون وعيسى بن دينار، وعامة أصحاب مالك وأكثر أهل العلم، فهؤلاء منهم من أجاز شهادة المختفي على الإطلاق وأباح له الاختفاء بحملها، وهو قول عمرو بن حريث، حكى ذلك البخاري عنه في كتابه، قال: وكذلك يفعل بالكاذب الفاجر، واحتج لإجازة ذلك بحديث ابن عمر: «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انطلق وأبي بن كعب يوما إلى النخل التي فيها ابن صياد، حتى إذا دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحائط طفق يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه وابن صياد مضطجع في فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة فرأت أم ابن صياد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد: أي صاف هذا محمد فتناهى ابن صياد، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو تركته بين» ومنهم من لم يجزها على الإطلاق، وإلى هذا ذهب سحنون، وذلك أنه سئل عن شهادة المختفي فقال: حدثني ابن وهب أن الشعبي وشريحا كانا لا يجيزانها، ومنهم من كره له الاختفاء لتحملها وقبلها إذا شهد بها وهم الأكثر، وهو ظاهر قول عيسى بن دينار هاهنا خلاف قول ابن القاسم في تفرقته بين من يخشى أن ينخدع لضعفه وجهله بما يقربه على نفسه، وممن يؤمن ذلك منه لنباهته ومعرفته بوجه الإقرار على نفسه، ولعله يقول: إنما أقر لك حيث لا يسمعني أحد، فيتبين أنه إنما يذهب إلى اقتطاع حقه، ولو أنكر الضعيف الجاهل الإقرار جملة للزمته الشهادة به عليه، وإنما يصدق عنده مع يمينه إذا قال إنما أقررت لوجه كذا مما يشبه، وبالله التوفيق.

.مسألة يشهدان على صبي أنه جرح إنسانا والشاهدان أعداء لوصي الصبي:

وسئل ابن القاسم: عن الرجلين يشهدان على صبي أنه جرح إنسانا والشاهدان أعداء لوصي الصبي هل تجوز شهادتهما؟ قال ابن القاسم: أرى شهادتهما جائزة، وكذلك أيضا إذا شهدا على الميت بدين عليه أن شهادتهما جائزة، ولا ينظر إلى عداوة الشهداء للوصي، وأما إذا شهدا على صغير أو كبير حائز لأمره والشهداء أعداء لأبي المشهود عليه فشهادتهما غير جائزة ولو كانا مثل أبي شريح وسليمان بن القاسم، قيل لسحنون: فإن شهد رجل بيني وبينه عداوة على أبي أو على ابني أو على أخي بمال هل تجوز شهادته عليه؟ فقال: نعم شهادته على والدك وابنك وأخيك جائزة بالمال، قيل: فإن شهد عليهم بقصاص أو حد؟ قال: لا تجوز شهادته وليس القصاص كالأموال، وكذلك في الجرحة لا تجوز شهادته في تجريح أبيك أو ابنك أو أخيك.
قال محمد بن رشد: معنى إجازة ابن القاسم شهادة أعداء الوصي على الصبي بجرح إذا لم يكن له بيد الوصي مال يؤخذ منه دية الجرح، أو إذا كانت دية الجرح الثلث فصاعدا؛ لأن عمد الصبي خطأ، فالعاقلة تحمل منه ما بلغ الثلث، وكذلك إجازته لشهادتهم بدين على الميت معناه إذا كانت الشهادة قبل أن يصير المال بيد الوصي، وأما إذا شهدوا بعد أن صار المال بيده فشهادتهم عليه غير جائزة؛ لأنهم يتهمون على إخراج المال من يده بالعداوة، وكذلك حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وذلك تفسير لقول ابن القاسم، وأما شهادة أعداء الرجل على ابنه أو على أبيه فقال ابن القاسم فيها: إنها غير جائزة يريد في المال والجراح، وذلك على أصله الذي تقدم له في رسم جاع من أن شهادة الرجل لا تجوز لامرأة أبيه ولا لامرأة ابنه ولا لزوج ابنته ولا لابن زوجته ولا لأبويها، وقال سحنون فيها: إنها جائزة في الأموال دون الجراح والقتل والحدود، وذلك على أصله أيضا في أن شهادة الرجل تجوز لامرأة أبيه وامرأة ابنه وزوج ابنته وابن زوجته وأبويها في المال، إذ لا فرق بين شهادة الرجل لولد من لا تجوز له شهادته وبين شهادة الرجل على ولد من لا تجوز عليه شهادته، فمنع ابن القاسم من إجازة الشهادة في الوجهين، وأجازها سحنون في الوجهين، ولا اختلاف بينهما في أنها لا تجوز فيما عدا المال من الجراح والقتل والحدود، وحكى محمد بن سحنون: أن محمد بن رشيد خالف أباه سحنونا في الجراح فساوى بينها وبين المال في جواز الشهادة بخلاف القتل والحدود فلا اختلاف بينهم في أنها لا تجوز في القتل والحدود، وأما التجريح في ذلك فيجري على الاختلاف في ذلك ولا يخالف ابن القاسم سحنونا في أن شهادة العدو تجوز في المال على أخي عدوه، وبالله التوفيق.

.مسألة يشهد على الرجل بأربعين دينارا ثم يقول الحق خمسون:

قال عيسى: سألت ابن القاسم عن الذي يشهد على الرجل بأربعين دينارا فيقضى عليه بشهادته، ثم يأتي بعد ذلك فيقول: الحق خمسون، ولكني نسيت، وقد كان ادعى ذلك صاحب الحق أو لم يدعه، هل يقبل ذلك منه وتقبل شهادته؟ قال ابن القاسم: إن كان عدلا مشهور العدالة ممن لا يتهم رأيت أن تجوز؛ لأنه يقول: ذكرت وإن كان على غير ذلك لم أر أن تجوز.
قال القاضي: هذه مسألة ستأتي بكمالها في أول سماع يحيى، فهناك يأتي الكلام عليها إن شاء الله، وقد مضى طرف منه في أول رسم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة يهجر الرجل فيسلم عليه ولا يكلمه هل تراه قد خرج من الشحناء:

وعن الرجل يهاجر الرجل ثم يبدو له فيسلم عليه من غير أن يكلمه في غير ذلك وهو مجتنب لكلامه هل تراه قد خرج من الشحناء؟ قال: سمعت مالكا يقول: إن كان مؤذيا له فقد برئ من الشحناء، قال ابن القاسم: وأرى إن كان غير مؤذ له أنه غير بريء من الشحناء، قلت: فهل ترى شهادته غير جائزة عليه باعتزاله وهو غير مؤذ له؟ فقال: لا تقبل شهادته عليه.
قال الإمام القاضي: معنى قول مالك وابن القاسم: إن المسلم يخرج من الشحناء إن كان المسلم عليه مؤذيا للذي ابتدأ بالسلام ولم يضر الذي ابتدأ بالسلام تركه لكلام المؤذي، وإن كان المسلم عليه غير مؤذ للذي ابتدأ بالسلام فلا يخرج الذي ابتدأ بالسلام سلامه من الشحناء حتى يكلمه إذ لا عذر له في ترك كلامه، فإذا كان مؤذيا له جازت شهادته عليه إذا سلم عليه، وإن لم يكن مؤذيا له لم تجز شهادته عليه حتى يرجع إلى كلامه، وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون أنه إن كان الذي بينهما خاصا فلا يخرج من الهجران ولا تجوز شهادته عليه حتى يرجع إلى كلامه، وإن لم يكن الذي بينهما خاصا برئ من الهجران بالسلام وإن لم يكلمه وجازت شهادته عليه، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع أشهب، وبالله التوفيق.

.مسألة بينهما عبد فشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه وهما منكران جميعا:

ومن كتاب العتق:
وسئل ابن القاسم: عن رجلين بينهما عبد أو عبدان فشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه وهما منكران جميعا، قال: لا أرى أن تجوز شهادة واحد منهما على صاحبه، وبلغني عن مالك أنه قال ذلك.
قلت لابن القاسم: فيحلفان؟ قال: لا أرى موضع اليمين؛ لأنه لا تجوز شهادة واحد منهما على صاحبه، قال: وقد قال مالك: كل من شهد على رجل بشهادة فكان غير عادل في شهادته أو متهما فيها فإنه لا يمين على المشهود عليه بشهادته.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن شهادة كل واحد منهما غير جائزة على صاحبه إذا لم يكن لهما مال سوى العبد إذ لا تهمة على الشاهد منهما في شهادته على صاحبه إذا لم يكن للمشهود عليه مال، فإن كان معه شاهد آخر تمت الشهادة وقضي عليه بعتق نصيبه، وإن لم يكن معه شاهد غيره لزمته اليمين بشهادته أنه ما أعتق نصيبه، ولا اختلاف أيضا في أن شهادة كل واحد منهما على صاحبه بعتق نصيبه لا تجوز إذا كان للمشهود عليه مال يلزمه فيه التقويم؛ لأن الشاهد يتهم على أنه إنما شهد عليه ليقوم له عليه نصيبه وإنما الاختلاف إذا لم تجز شهادته هل يعتق عليه نصيبه أم لا؟ فقيل: إنه لا يعتق عليه، وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية، ودليل قول غيره في العتق الثاني من المدونة ودليل أحد قولي ابن القاسم فيه أيضا، وقيل: إنه يعتق عليه نصيبه لأنه مقر على نفسه بوجوب عتقه على شريكه بالتقويم، وهو المنصوص لابن القاسم في المدونة وفي رسم المكاتب من سماع يحيى بعد هذا من هذا الكتاب، واختلف إذا لم تجز شهادته عليه لملائه هل تلزمه اليمين بشهادته أم لا؟ فقيل: إنه لا تلزمه يمين، وهو قوله في هذه الرواية وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم المتقدم وفي نوازل سحنون، وقيل: إن ذلك آكد من الخلطة فتجب عليه اليمين، وقد مضى القول على ذلك في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم المتقدم فلا معنى لإعادته.